يُقَسِّمُ د. شحرور أنواع الزواج، حسب نوع العقد، فإما أن يكون “ميثاقا غليظا” بين زوج وزوجة لا تعدد فيه إلا بشرط رعاية الأيتام ويحل فيه الطلاق مرتين ولا رجعة حتى تنكح زوجا غيره، أو عقد “ملك يمين” ويقصد به عقود الزواج الأقل في الحقوق كالمسيار والمتعة وغيرها وليس فيها طلاق وإنما فسخ العقد مع دوام التجديد بلا إشكال. كما يشمل عقود “ملك اليمين” عقود العمل وعقود العمالة المنزلية. وبهذا يجيب الشحرور على “إشكال” التعدد في الإسلام، وإشكال تبرير وجود مفهوم “ملك اليمين” بأنه مرحلة مؤقتة انتقالية بين العبودية إلى نظام عقود العمل، وأنه لا توجد طبقية في الإسلام!
كما يفسر د. الشحرور نفس الكلمة “ملك اليمين” على حسب سياق الآية، لا على اعتماد جذر الكلمة كما عودنا في أطروحاته الأخرى. فهي “ملك اليمين” قد تعني الرق من الفيء، أو عقد زواج، أو عقد عمل، أو عقد عمالة منزلية. وبالرغم من قوة تماسك بعض أطروحاته مع نصوص القرآن كمثل علم المواريث والوصية وشرح أنواع العلاقات الجنسية وخاصة بأنه يفسر بالقرآن بالقرآن، إلا أني أجد طرحه في “ملك اليمين” وربطه بعقود الزواج والعمل وعناية المنزل ضعيف، بل ربما ضعيفة جدا.
وعلى ضوء ذلك بمراجعة النساء 25 أو النور 33، تظهر لنا مجموعة من الأسئلة أو التناقضات، فماذا يعني أن يسمح للشاب أن ينكح من فتياتكم المؤمنات من “ملك اليمين”؟ فإن كان لديها عقد خدمة منزلية، فهل هذا يمنع الفتاة من الزواج “بالميثاق الغليظ”؟ وماذا لو أتت هذه الفتاة والتي لديها عقد خدمة منزلية بالفاحشة، فعليها نصف ما على المتزوجة من العذاب! ألأنها ربما تعمل في بيئة رجالية، يخفف عنها العذاب؟ وكيف نستفيد من هذا المعنى الجديد في واقعنا اليوم إذ تعمل المرأة في الشركات؟ فهي مملوكة إلى الشركة بحسب تفسير الشحرور. أم أن الآية تتحدث عن الشاب الذي لا يستطيع تكاليف الزواج، فيتفق مع فتاة على عقد جنسي لتصبح مملوكته؟ أو يتفق مع صاحب العمل بأن يعطي الشاب أجرة لصاحب العمل ويعطي أجرا إضافيا للفتاة المملوكة بعقد خدمة منزلية. وماذا لو كانت الفتاة في عقد جنسي مع مالكها، هل يستطيع الشاب أن يتقدم إلى صاحب العمل ويطلبها له بعقد جديد؟ بل هل يُسمح للمرأة المتزوجة بالميثاق الغليظ العمل بعقد عمل كمربية في منزل؟ في الحقيقة أترك الإجابة لكم.
أما آية المحرمات، النساء 24، بتحريم نكاح المحصنات إلا ما ملكت يمينه، فيقول الشحرور بأنه مرتبطة بفسخ نكاح ملك اليمين! وأن الرجل يستطيع أن يتزوجها من جديد بعد فسخ النكاح. وفي هذا أتساءل، ماذا لو طلق الرجل امرأته طلقتين أو ثلاث بعقد الزواج المغلظ، ألا يستطيع أن ينكحها مباشرة بعقد نكاح ملك يمين؟ فهو عقد عمل جنسي أليس كذلك؟
وفي سياق موازي، قد يغيب عن البعض أن الشحرور قد غير بعض أفكاره بين كتبه المنشروه وبين ما طرحه في برامج مرئية، وقد حاولت معرفة إن صدر له تحديثات أو إصدارات جديدة لنفس الكتب قبل وفاته، إلا أني لم أجد أنه فعل. ومن بين الأفكار التي تغيرت، التفريق بين الصداق والفريضة والمهر، وكذلك بعض الرياضات في حساب المواريث. لكني أعود إلى رأس عنوان المقال، وعلاقة “ملك اليمين” في القرآن بعقود العمل، أو حتى عقود الزواج المختلفة المدنية.
وأنتهي بذكر بعض الإشكالات التي يدعيها د. الشحرور دون دليل عليها أو حتى مخالفة للواقع ومنها:
- يدعي أن العبد والرق لا يؤتى أجرا بخلاف “ملك اليمين”، وأترك لك الرد عليها سواء من المنطق أو من التاريخ أو من ثقافات البشر.
- يدعي أن الميثاق الغليظ، هو مثال الزواج الكاثولكي! وأترك لك الرد من القرآن في استبدال الأزواج.
- يدعي أن الرق قد انتهى اليوم ولا وجود للعبيد! وأترك لك الرد باكتشاف الرق أو ملك اليمين في أمريكا، وأروربا وآسيا وأفريقيا بل حتى الجزيرة العربية والذين ينتظرون حريتهم أو حريتهن.
وترك لنا الشحرور سلسلة من العهود التي يراها تصف “الميثاق الغليظ” في عقد الزواج والذي يختلف عن عقد ملك اليمين بهدف الجماع فقط كزواج المسيار كما ذكر، وأتساءل، ماذا لو نوى الرجل الزواج بعقود تعددية أخرى بزواج عقد ملك اليمين، وهل يضر بذلك الميثاق الغليظ؟ بل هل زواج المسيار يجوز لأحد الطرفين نقض العهود التالية؟
أن يتعهد كلا الطرفين بالصدق مع الآخر وعدم غشه.
الشحرور في كتاب “فقه المرأة”
أن يتعهد كلا الطرفين بعدم ارتكاب الفاحشة (الخيانة الزوجية).
أن يتعهد كلا الطرفين بالمحافظة على صحة الآخر وماله، والصبر عليه في السراء والضراء والصحة والمرض.
أن يتعهد كلا الطرفين برعاية أولاد الآخر رعاية كاملة.
أن يتعهد كلا الطرفين بالمحافظة على خصوصيات الآخر، وعدم الثرثرة بهذه الخصوصيات أمام الآخرين.
وهذه هي بنود الميثاق الغليظ كما أراها، والتي يجب أن يقسم الطرفان على الالتزام بها، ثم يتم إعلانهما زوجاً وزوجة، وهي بنود لا يمكن كتابتها في مواد عقد، ولهذا فإنَّ عجزَ أحد الطرفين عن الوفاء بها، كلها أو بعضها، مبرر لطلب الطلاق لأنه نقض لعهد الله.
رحم الله المفكر الشحرور على طرح الموضوع لنتفكر في كتاب الله باستخدام العصف الذهني لعلنا نستخرج من الكنوز ما غفلناه، إلا أن نتائج طرحه لموضوع “ملك اليمين” لا يرقى إلى مواضيعه الأخرى الأفضل في الوصف والنسق مع كلمات وآيات القرآن. ولعلي أكتب يوما نقدي شرحه للعلاقات الجنسية، وكذلك المواريث وخاصة أني نشرت برنامجا قبل سنين لمساعدتك على حساب المواريث حسب فقهي الشحرور حسب كتابه أو حسب طرحه المرئي المختلف، أو مواضيعه التعبدية والفقهية الأخرى.