كانت جدتي رحمها الله، “تُصلح” عقرب الساعة إلى 12 كلما سمعت أذان المغرب في كل ليلة. لم تكن الوحيدة، بل كانت الجزيرة بل ربما العالم الإسلامي يرصد أذان المغرب كل ليلة ليكون بداية اليوم الجديد، وكانت الصحف تنشر مواعيد الصلوات جميعا ما عدا صلاة المغرب والعشاء، إذ أذان المغرب دائما تكون الساعة 12 والعشاء 1:30 طول أيام السنة! ومع مرور الأجيال، تعلمت البشرية الانتقال من عادة تغيير وضبط الساعة “كل ليلة” حسب غروب الشمس، إلى رصد غروب الشمس حسب الساعة أداة التقويم! فالساعة ثابتة قياسية متفق عليها وموعد رصد الغروب هو المتغير.
وانتقلت الحضارة من استخدام الرصد الطبيعي إلى القياس، فمن الشبر والذراع إلى المتر والكلم، ومن الرطل إلى كجم، ومن البرهة إلى الثانية، إلا أن الشهر ما زال يقوم حسب الرصد لا العكس! مما جعل المسلمين يستخدمون رصدا قمريا وتقويما أجنبيا! وحتى المملكة العربية السعودية استغنت عن تقويم “أم القرى” إلى استخدام التقويم الجلالي الهجري، إلى التقويم الميلادي. ولا يخفى أن “تقويم أم القرى” ليس تقويما، وإنما راصدا لدورة القمر، وشتان بين الاثنين.
وقد يغيب عن القارئ، بل ينتشر، بأن التقويم العربي غير دقيق والتقويم الأجنبي دقيق، فهل هذا صحيح؟
هل تعلم آدم الأسماء كلها؟
تقع الإشكالية في عدة أمور من أهمها في عدم التفريق بين التقويم والرصد، بداية أن المسلمين، في غالبيتهم، لا يستخدمون “تقويما هجريا” أساسا. فكل من تقويم “أم القرى” وتقويم الرصد الفلكي الأردني ICProject وغيرها من منظمات رصد القمر، في الحقيقة، لا تنشر تقويما وإنما تنشر رصدا للهلال. المشكلة أنهم يسمون هذا الرصد بالتقويم الهجري!
وربما تستطيع معرفة الفرق عندما ندرك أن الرصد الشمسي يختلف عن التقويم الشمسي، وإن كان فصل الربيع يبدأ حسب التقويم في مارس 21 من كل عام، إلا أن بالرصد، يترنح بين 20 و 22 مارس، لكن المجتمع لا يقوم بتغيير هذا التاريخ حسب الرصد، لكن المسلم يفعل ذلك إذا ظهر الهلال في يوم ليلة 30 من الشهر القمري، فتكون ليلة واحد من الشهر المقبل!
التقويم هو وضع آلية سهلة لاحتساب الزمن يعطي المستخدم وسيلة واضحة لضبط حياته دون تأثرها بعوامل متغيرة سواء فلكية أو طبيعية تأخذ حدودا تقريبية لنفس هذه العوامل. فإن كان التقويم سهلا ويرصد الزمن بشكل عام على وجه متوسط لدورات الزمن، حينئذ يكون التقويم دقيقا.
رمضان 30 يوم دائما!
قد تقول بأن رمضان إما 29 وإما 30 يوم وهذا حسب الرصد، وإذا فتحت “تقويم” “أم القرى” ستجد أن السنة 1442 فيها رمضان 30 يوم، ورمضان 1444 سيكون 29 يوم! وإن دل هذا على شيء، يدل على أن “أم القرى” راصدا وليس تقويما. ولا نستطيع على وجه بسيط، التخطيط بالاعتماد على وحدة قياس متغيرة. لذى سنحتاج لتقويم الشهر، كما تفعل غالبية برامج المحولات في جوالك بين التاريخ الهجري والتاريخ الميلادي. وغالبا تكون حسب الجدول التالي: الشهر هكذا وهكذا..
الشهر | عدد الأيام القياسي |
محرم | 30 يوم |
صفر | 29 يوم |
ربيع أول | 30 يوم |
ربيع ثاني | 29 يوم |
جماد أول | 30 يوم |
جماد ثاني | 29 يوم |
رجب | 30 يوم |
شعبان | 29 يوم |
رمضان | 30 يوم |
شوال | 29 يوم |
ذو القعدة | 30 يوم |
ذو الحجة | 29 يوم 30 يوم\ سنة كبيسة |
أما المضحك فهو قيام هذه البرامج بوضع آلية إضافة يوم أو حذف يوم من التقويم حتى يوافق رؤية القمر، مما يزيد الشبهة على المستخدم ويقطع فائدة التقويم من أساسه، بأن التقويم القمري ليس دقيقا! وكان الآولى على البرنامج هو الحفاظ على التقويم، مع إظهار دورة القمر، أو رصده، بشكل مختلف عن التقويم لأي أمور تعبدية. ومن أبرز الأمثلة برنامج “حانة التقاويم” الذي يفصل بين الاثنين. (تحديث الخدمة انتقلت إلى موقع تقويم)
أما في بلاد هجر، فإن أذان الظهر يتحرك بين 11:15 حتى 11:50 ظهرا طيلة العام، لكن موظفي الشركات اتفقوا أن يصلوا الظهر دائما الساعة 12:05 صيفا أو شتاء، وبهذا يقومون موعد إقامة صلاة الظهر ليناسب نمطهم، ولم يغيروا ساعاتهم حتى يصبح أذان الظهر على 12:00، وما يفعلونه هو تقويم لموعد صلاة الظهر.
التقويم العربي المفكك!
وبينما اتفق الغرب بعد قرون من التناحر والتفكك بين التقويم اليولياني والتقويم الجريجوري المعتمد حاليا للتاريخ الميلادي بعامل قوة الإمبراطور، إلا أن العرب كقوم، أو المسلمين كأمة، لم تتفق على تقويم معين إلى اليوم بالرغم من اتفاقهم على “التاريخ الهجري”. فمن ناحية، فإن غالبية المحولات القياسية تعتمد سنين كبس على دورات 30 سنة.
أزمة توثيق!
وليست الإشكال في تعدد التقاويم بقدر أن الدول العربية لم تتفق على واحدة.، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهذه التقاويم كلها “دقيقة” وتفي بالغرض العملي للتواصل والتثبيت والتوثيق والتأريخ، لكن الإشكال الإضافي أن هذه المواقع والدول والمراجع التي تقوم بالتحويل لا تنشر معلومات التقويم المستخدم للتوثيق مما يزيد التضليل. بل تكتفي بذكر أن تاريخ اليوم هو شعبان 15 1444 هجري، بل ربما يكتفون بكتابة (هــ)، والأولى أن يكون ذكر التاريخ شعبان 15 1444 هجري\وسع، أو هجري\كويتي، أو على الأقل مرصد مدينة كذا، كما يفعل أهل التاريخ عند ذكر الميلادي بأن تاريخ اليوم هو سبتمبر 15 2020 ميلادي\جريجوري، أو ميلادي\يولياني. وستجد محولات كثيرة بين الجريجوري واليولياني وغيرها بالرغم أن كلاهما ميلادية. ولأصبحت الوثائق أكثر دقة. وفي المقابل لوجدت الأنظمة تنشر محولات بين الهجري\وسع وهجري\كوت و هجري\هندي أو غيرها.
اسم التقويم مع وصلة إلى المصدر | سنين الكبس في دورة 30 سنة مع وصلة من موقع #تقويم |
أساس 16 حسب التوفيقات الإلهامية التقويم الواسعي | 2, 5, 7, 10, 13, 16, 18, 21, 24, 26, 29 |
الكويتي مستخدم في برنامج مايكروسوفت | 2, 5, 7, 10, 13, 15, 18, 21, 24, 26, 29 |
هندي | 2, 5, 8, 10, 13, 16, 19, 21, 24, 27, 29 |
أحمد بن عبد الله المروزي | 2, 5, 8, 11, 13, 16, 19, 21, 24, 27, 30 |
التقويم الفاطمي – نفس هندي بزيادة يوم | 2, 5, 8, 10, 13, 16, 19, 21, 24, 27, 29 |
الجحاف | 2, 5, 8, 11, 13, 16, 19, 21, 24, 27, 30 |
ولا أظن الكتّاب ولا المؤرخين ولا حتى الصحافة سبق أن نشرت أو وثقت حدثا باستخدام “تقويم” عربي، وحتى تشعر بالإشكال عندما تقرأ في كتاب تاريخ أو حتى في الصحافة بأن الحدث حصل بتاريخ هجري دون معرفة التقويم المعتمد في ذلك الكتاب، وإن كنت محظوظا لذكر التاريخ الموافق بالجريجوري أو اليولياني لفض الخلاف. وكان الأولى ذكر التقويم العربي المعتمد ويكون كافيا. لكنه لا يستخدم، بل يستخدمون عادة هجريا راصدا!
الاتفاق على التقويم الهجري الشمسي!
وخروجا عن موضوع التقويم القمري، يُعد تقويم العالم “عمر الخيال” أدق تقويم شمسي ويًعرف بالتقويم الجلالي طيلة 10 قرون مضت، ويجري استخدامه في عدة دول إسلامية. ومع دقته وتفوقه على “الجريجوري” من ناحية ضبطه مع المواسم، إلا أن الخلاف في استخدامه قائم بعدما اعتمدت المملكة العربية السعودية نفس التقويم “الجلالي” لكن بتاريخ متقدم بقيمة 6 شهور! فبدلا من بداية السنة بشهر الحمل في النسخة الإيرانية، تبدأ النسخة السعودية بشهر الميزان هجرية. وللأسف لا يتم ذكر التقويم إن كان فارسيا أو عربيا، بل يكتفون بذكر الدلو 15 1399 “هجري شمسي.” ولا ندري إن كانت السنة إيرانية أو سعودية، فضلا على عدم ذكر شكل التقويم والاكتفاء بذكر الشمسي وكأن الشمس لها تقويم بحد ذاتها. وكان الآولى تسميته بالتقويم الجلالي على الأقل للتمييز.
المشكلة في الاختلاف لا في التقويم
ولعلك وصلت إلى النتيجة بأن التقويم الهجري سواء كان قمريا أو شمسيا يتمتع بدقة عالية كما هو حال الجريجوري الميلادي، لكن الدول أنشأت عدة قياسات بدعوى الاستقلالية، لكن الأسوأ أنها جعلت المراصد هي التقويم، مما جعل المجتمعات غير قادرة على التواصل باستخدام نظام قياسي عربي تقويمي لأيامهم. فتم الاتفاق على تقويم غربي ذات هيمنة ليس إلا، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
شبهات: لكن الصيام يعتمد على الرؤية!
استخدامك للتقويم لا يعني عدم استخدامك للرصد أو الرؤية في تعبداتك سواء للصيام أو الحج أو حتى الزكاة، فقد يبدأ الصيام في رمضان 1 1442 هجري\وسع في الرياض لظهور الهلال، لكنه يبدأ في العراق رصدا بتاريخ رمضان 2 1442 هجري\وسع، ولضعف الوعي بالتفريق بين الرصد والتقويم، جعل المجتمع يعيد ضبط رمضان رصدا، ويتم تقويمها بذكر الجريدوري، بأن رمضان 1 في الرياض سيكون في سبتمبر 17، وفي بغداد سيكون في سبتمبر 18! الأصل أن يستخدم البلدان تقويما واحدا لمعاملاتهم الدنيوية ولكن تعبداتهم أو مواسم الربيع يتم ضبطها على التقويم المتفق عليه، لا العكس!
تقويم هجري قياس الواسعي أو 16 | الرياض دورة القمر أو الرؤية | لوس أنجيلوس دورة القمر أو الرؤية |
رمضان 1 1442 الخميس | 1 | 30 |
رمضان 2 1442 الجمعة | 2 | 1 |
رمضان 3 1442 السبت | 3 | 2 |
رمضان 4 1442 الأحد | 4 | 3 |
رمضان 5 1442 الاثنين | 5 | 4 |
—– | ||
رمضان 30 1444 الجمعة | 30 | 29 |
شوال 1 1444 السبت | 1 | 1 |
وبكلمات آخرى، سواء كنت تبدأ رمضان باستخدامك للرؤية الشرعية، أو الرؤية الفلكية، أو الحساب، فهذا لا علاقة له بموضوع المقال ولا يتعارض معه بتاتا. فربما بالرؤية الشرعية تبدأ الصيام في تاريخ رمضان 2، وفلكيا في رمضان 1، وحسابيا في رمضان 1. وتلاحظ في الجدول أن الصيام يبدأ في يوم مختلف في البلدين، لكن العيد في نفس اليوم، وبغض النظر، كلاهما يتفق على استخدام التقويم القياسي أساس الواسعي. التقويم ثابت والرصد وآليته تتبع الراصد ومذهبه فترصد صيامك حسب الرصد الذي تختاره، والغالب يعتمد على الجريجوري في أيامنا في تثبيت تاريخ الرصد. المهم أن يتم الاتفاق على تقويم قياسي قمري واحد، ويترك الناس لاختيار موعد صيامهم حسب التقويم القياسي!
ما المقصود بالرصد؟
وبينما تختلف المراصد في تعريف الرؤية بين ظهور الهلال من بعد غروب الشمس بدقائق معينة، أو وقت الاقتران كما يفعل راصد أو “تقويم أم القرى”، أو اعمتاد “القدرة على الرؤية” حسب مشروع ICProject المعتمد تقسيم العالم إلى قسمين وإلى تقويمين هجريين! ومع كل هذا الاختلاف، إلا أنه لا يضر عمليا ودنيويا، وينبغي عدم الاهتمام بالرصد إلا لو كان الموضوع تعبديا، والأصل أن تستخدم تقويما قياسيا عند نشر معلومة تاريخية، وكما قرأت في السابق، يتم الإعلان عن رمضان في بلد ما، بالتقويم القياسي الميلادي، والأفضل أن تستخدم تقويما قياسيا هجريا.
يوفر لك برنامج حانة التقاويم (تحديث، موقع تقويم) فرصة التفريق بين الرصد والتقويم، واختيار تقويم قياسي، ومنها اختيار رصد هلال مدينة معينة. تكتشف مثلا أن رمضان عام 1442 تقويما سيسبق الرصد بمقدار يوم، وبمعنى آخر، الصيام سيبدأ في رمضان 2 1442 هجري\وسع في مدينة لوس أنجيلوس. والأهم، أن تعرف في نهاية المقال بأن التقويم هو القياس وهو الدقة المطلوبة لاحتساب وقائع تاريخنا، وضبط حياتنا.
موقع #تقويم من هنا
رصد تقاويم الرصد
تقويم أم القرى ، https://hijri-calendar.com/،
مرصد الشارقة
مرصد الأردن ICProject يبدو توقفت خدمة التحويل من الموقع.
تقويم النجف ، كذلك موقع السستاني
التقويم الهجري القطري
مواقع تقوم بالتحويل بين الهجري والميلادي دون معيار واضح
- datehijri.com ربما رصد قمري غير معلوم مكان الرصد ولا طريقته.
- babalweb.com ربما يعتمد على قياس الواسعي
- https://www.islamicfinder.org/ يعتمد على حركة القمر، ولا يوضح الطريقة.
بارك الله فيكم.